-A +A
وفاء الرشيد
في كل مرة تجري أحداث كبرى في المنطقة، يميل البعض إلى تحميل المسؤولية لدول الخليج العربي، وبصفة خاصة المملكة العربية السعودية.

عندما اندلعت أحداث غزة الأليمة، صرخ البعض أنها مسؤولية السعودية ودول الخليج، واعتبروا أننا شركاء في المذبحة والمأساة.


لنفحص هذه الاتهامات الزائفة الحاقدة:

- قيل إن التطبيع الخليجي مع إسرائيل هو السبب للصلف والعدوان، والحال أن الدول الخليجية التي أقامت علاقات مع الدولة الصهيونية كانت في آخر قافلة المطبعين، بعد أن وقعت مصر معاهدة السلام مع إسرائيل عام ١٩٧٩ وبعد أن وقعت الأردن اتفاقية وادي عربة عام ١٩٩٤، وبعد أن وقعت منظمة التحرير الفلسطينية نفسها اتفاق أوسلو سنة ١٩٩٣. وبغض النظر عن كون السعودية الدولة الكبرى في الإقليم اشترطت بوضوح لعلاقتها بإسرائيل الحل المقبول للقضية الفلسطينية، فإن الدول التي أقامت علاقات مع تل أبيب لم تتخلَّ عن الشعب الفلسطيني، ولم تتآمر عليه على عكس ما يدعي الحاقدون.

- قيل إن السعودية ودول الخليج لم تستخدم سلاح النفط في الرد على الدولة المعتدية وأعوانها، وهو قول مردود ينمُّ عن جهل حقيقي بمنطق سوق الطاقة والأوضاع الاقتصادية العالمية الحالية، فضلاً عن عدم جدواه في ظل الوفرة الكبيرة للنفط خارج الإطار الخليجي. كل ما يريد هؤلاء هو تعريض الاقتصاد الخليجي للدمار، والحال أن على النفط الخليجي ارتكاز التنمية العربية في مجملها، فضلاً عن اعتماد سكان الإقليم عليه كليّاً.

- قال البعض إن المملكة لم توقف برامج الترفيه المقررة سلفاً تضامناً مع الشعب الفلسطيني. ما لا يدركه هؤلاء أن الترفيه كما نفهمه في السعودية ليس لهواً وعبثاً فارغاً واستهتاراً بالقيم والأخلاق، إنه جزء من مقاربة ثقافية واجتماعية شاملة تكرّس الانفتاح والإبداع والحرية، وهي أهداف إنسانية جوهرية لا تؤثر في شيء على طبيعة التعاطف الرسمي والشعبي مع القضية الفلسطينية العادلة.

على الجميع أن يتذكر أن المملكة التي جعلت الموضوع الفلسطيني محور عملها الديبلوماسي وخصصت له كل مقدراتها المالية، وكانت وراء المبادرات العربية للسلام الضامنة لحقوق الشعب الفلسطيني، لا تؤثر فيها الدعايات المغرضة والاتهامات الحاقدة.

لقد وافقت كل الدول العربية منذ نهاية الستينيات، بما فيها مصر في عهد جمال عبدالناصر، على قرارات الأمم المتحدة التي تكرس الاعتراف بإسرائيل والحل السلمي للقضية الفلسطينية، كما أن أصحاب المطلب أنفسهم -أي الفلسطينيين- ساروا في الطريق نفسه بما كفل لهم الحد الأدنى من البناء السياسي المؤسسي المعترف به دوليّاً.

لم تمارس السعودية في أي مرحلة من المراحل سياسية الوصاية على الفلسطينيين، ولم تدخل في معاركهم الداخلية، فمن الظلم والتجني تحميلها أي مسؤولية في ما آل إليه الوضع الفلسطيني المأساوي اليوم.

وها هي السعودية تستقبل اليوم الأفارقة والعرب والمسلمين في قمم ثلاث كبرى، انتصاراً للدم الفلسطيني وتضامناً مع شعبنا العزيز في غزة، وها هو الدعم المالي الرسمي والشعبي لسكان القطاع المنكوب يصل إلى مستوى غير مسبوق.

ليست هذه الخطوات النوعية للدعاية والتأجيج العاطفي، بل تندرج في صلب الثوابت الكبرى للسياسة السعودية. أما الحاقدون الكارهون فلا يستحقون جواباً ولا ردّاً.